قيمة الهدف في حياة الزوجين
كثير من
المتزوجين بعد فترة قصيرة من تاريخ زواجهم يجدون أنفسهم غارقين في دوامة مُهولة :
تحوّل حياتهم الزواجيّة إلى حياة مليئة بالرتابة الجافة و الملل القاتل !! و أنّ
علاقتهم الثنائيّة انقلبت إلى مشاكل و مشاحنات !! و أنّ كل أحلامهم و أشواقهم
التّي كانت تداعب أعماقهم قبل الزواج تلاشت و اضمحلّت !!
هذا
التحول الكئيب يكون مشهوداً في مختلف مظاهر علاقة هؤلاء الأزواج التّعساء :
العاطفة الوجدانيّة , الممارسة الجنسيّة , التدبير المالي , الخطط المستقبليّة ,
تربية الأطفال , الإرتباطات الإجتماعيّة .. إلخ . على أنّه من المؤسف أن نعرف أنّه
بالرغم من كل هذا الجفاف القاتل و تلك المشاكل الطاحنة و تحول العلاقة الزواجيّة
إلى حلبة صراع ضروس , و ربما بشكل صامت , إلا أنّ كثيرين لا يبذلون – و بعضهم لا
يعرف الطريق الصحيح - أي جهد لتغيير الوضع , و لا يحرصون على تجديد علاقتهم و
تطويرها إلى ما هو أفضل و أجمل !!
♣♣♣
في حسباني
, فإنّ أحد أهم أسرار هذا التحول الفظيع و هذه الكآبة الأسيفة , التّي تقذف بالزوجين
في مهاوي الشقاء و المعاناة , يتمثّل في شيء واحد , ألا و هو :
U . فقدان الهدف الصحيح في العلاقة الزواجيّة !!
و هذا يرجع
– حسب رأيي - إلى الأسباب التّاليّة :
L
عدم معرفتهم بالطرق المحققة للسعادة و الفنون الجالبة
للإستقرار بينهم , بالرغم من وجود رغبة عارمة لدى كثير منهم للحصول على تلك
السعادة و تحقيق ذلك الإستقرار !!
L
عجزهم عن الإنفكاك من عقابيل تلك الفكرة المشؤومة التي
رسّخت فيهم أنّ الزواج سجن ضيّق تتحطم فيه كل الرغبات و الأمنيات , لأنّه ليس إلا
هموماً ضاغطة و مشاكل غيرُ متناهيّة !!
L
اعتقادهم ضرورة اتباع النّاس في قصرهم لغايات الزواج على
: المتعة الجنسيّة , إنجاب الأطفال ,
الظهور أمام النّاس أنّهم فعلاً صار فلان رجلاً , و صارت فلانة امرأة !!
L
فقدانهم للإنسجام العاطفي و المودة الوجدانيّة . لأنّ
الهدف المشترك لابد أن يتحمّل طرفاه مسؤوليّة تحقيقه و بلوغه , و هذا التحمل يقتضي
وجود وشيجة نفسيّة و رابطة عاطفيّة بينهم !!
L
جهلهم – و هذا أعظم الأسباب – بطبيعة المهمّة التي خلقوا
لها في هذا العالم . فتراهم يعيشون عيشة الدابة السائمة , فلا همّ لهم إلا المتع
الحسيّة و التفنن في لذاتها : طعام , منزل , سيارة , سفر , مال , مكانة اجتماعيّة !!
إنّ وجود
هذه الأسباب – أو على الأقل بعضها – و ترسخها في النفس , لا شك أنّه يمنع الزوجين
من تحديد الهدف الصحيح لحياتهما الزواجيّة , و التخطيط الجيّد لبلوغه .
♣♣♣
من أجل
ذلك , فإنّ عدم وضع الزوجين لميثاقهما الزواجي و لرابطة الحب الجميل الذي يربط
بينهما , هدفاً كبيراً مشتركاً له سلبيات مدمرة كثيرة , نحدّد أصولها في العناصر
التّاليّة :
L قابليّة نشوب الخلافات اليوميّة و تفكك الأواصر العاطفيّة بينهما
لأتفه الأسباب !!
L عدم مبالاة الطرفين بسعادة و راحة و استقرار بعضهما بعضاً !!
L انتفاء الإهتمام من الطرفين بمسار علاقتهما الثنائيّة : مستقيمة
أم منحرفة ؟!
L عجز الطرفين عن تذوق السعادة , لأنّه ليس عندهما فكرة واضحة عن
السعادة الزواجيّة !!
L الإحساس الدائم بالجفاف و الآليّة القاتلة جرّاء انعدام الشعور
بالإمتلاء العاطفي و الإرتواء الجنسي !!
L إهمال الطرفين لتنشئة أطفالهما تنشئة صحيحة صالحة !!
P. النتيجة هي : سيتعامل هذان الزوجان فيما
بينهما بطريقة سلبيّة جدّاً . و لذا ستتحوّل حياتهما الثنائيّة إلى جحيم لا يطاق و
مأساة فظيعة !!
♣♣♣
إذن من
المهم للغاية أنّ يفهم الزوجان اللذان ينشدان السعادة و الإستقرار في حياتهما
الزواجيّة , أنّ أحد أهم عناصر القوة في العلاقة الزواجيّة الناجحة – كما يؤكد على
ذلك الخبراء في هذا المجال – يكمن في حقيقة واحدة , ألا و هي :
اتفاق طرفي العلاقة الزواجيّة على
هدف أعلى مشترك بينهما , يحرصان على بلوغ أعلى مراتبه الممكنة .
ذلك لأنّ
الفوائد العظيمة التّي يجنيها الزوجان عندما يضعان لميثاقهما الزواجي هدفاً مشتركاً
و كبيراً , كثيرة شتى , بَيْد أنّنا نجمل أصولها في المعاني التّاليّة :
J
رسم صورة
جميلة لمستوى العلاقة الثنائيّة التّي ينشدان بلوغها مع مرور الأيام .
J
شعور
الطرفين بالقيمة و التقدير الذاتي , من خلال تفتح كل طاقات النفس للعمل و الإشتغال
.
J
معرفة مدى التقدم و التطور في علاقتهما الزواجيّة , و
مكامن النقص و القصور فيها .
J
الحرص على
التفنّن في إبداع كل ما من شأنه مساعدتهما على تحقيق غايتهما من الزواج .
J
الحرص على تربيّة أبنائهما تربيّة صحيحة , ليكونوا أفراداً
صالحين .
J
اكتساب
حصانة قويّة ضد مفسدات العلاقة الزواجية , سواء كانت تحديّات داخليّة أم منغّصات
خارجيّة .
P. النتيجة هي : سيتعامل هذان الزوجان فيما
بينهما بأسلوب جميل و راقي جدّاً . و لذا ستتحوّل حياتهما الثنائيّة إلى فرودس
جميل لا يزالان ينتشيان بجماله الأخاذ و عبقه الدفاق .
♣♣♣
و الزوجان
المسلمان , بسبب انتمائهما للدين الإسلامي , فلا شك أنّ هدف علاقتهما الزواجيّة
الأكبر في الحياة يكون منبثقاً عن جوهر و تعاليم الإسلام . لأنّ هذا الدين ليس
طقوساً شعائريّة فقط , بل هو منهج حياة شامل و متكامل .
و لذا
فإنّ هدف الزوجين المسلمين من ميثاقهما الزواجي هو :
التعاون على طاعة الله تعالى و
الإلتزام تعاليم شريعته في الحياة : ظاهراً و باطناً , في السرّ و العلن .
في اعتقادي
فإنّ تحديد الزوجين التّعاونَ على طاعة الله تعالى و ابتغاء مرضاته , هدفاً أعلى
لميثاقهما الزواجي , له آثار جليلة , تنعكس , سواء على الزوجين أم على أطفالهما أم
على المجتمع جميعاً :
'. كلاهما يحرص على مساعدة الآخر على طاعة
الله و الحصول على ثوابه .
'. كلاهما يشعر بالسلام و الأمان ,
لإطمئنانهما لبعضهما بعضاً و الثقة العالية بينهما .
'. كلاهما يحرص على برّ صاحبه و الحرص على
سعادته , ابتغاء الفضل من الله .
'. كلاهما يتجنّب منغصات المشاكل , التّي
تعكر النفس و تضغط عليها , للتفرّغ لطاعة الله و عبادته .
'. كلاهما يشعر بقيمته الكبرى و مسؤوليّته
العظيمة في تحقيق السعادة و الإستقرار مع شريك حياته .
'. كلاهما يبذل كل وسعه لتنشئة الأبناء
تنشئة طيّبة صالحة , تنسجم مع تعاليم الإسلام في الحياة .
♣♣♣
إنّ كل هذا يساعد الزواجين – و لا شك - على التفنّن
في الإيجابيّة الرائعة و الإحسان الجميل في كل شيء بينهما : التعبير عن الحب ,
التدبير الإقتصادي للبيت , الحوار حول مختلف التحديات , الإرتقاء بمستوى العلاقة
الجنسيّة , تنشئة الأطفال و التخطيط لمسارهم في الحياة .. إلخ . و
من ثمَّ تحتفظ علاقتهما الزواجيّة بسموها البديع ما امتدت الحياة بينهما .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق