إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 نوفمبر 2013

سر جميل من أسرار القرآن

إنّ التعبير عن مصدر هذا المنهج القرآني بصيغة توكيديّة مع إضمار الفعل و الفاعل و قرنها بخلق الوجود : " تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى " , يرمي إلى فتح المجال للعقل أن يتبصّر و للروح أن تتذوق و للوجدان أن يستشعر جلال و عظمة صاحب التنزيل و الخلق , الذي تفضل على العبد الضعيف بكلماته الإلهيّة الخالدة . نعم , و هو قصد مقصود في أن يدرك الإنسان المتلقي أنّ هذا المنهج الرّباني هو مرقاة السعادة الأبديّة و منهج الحق الصريح الواضح , الذي لا يمكن أن يزيغ مع الأهواء أو ينحرف مع الآراء , لأنّه تنزيل من الله المتجاوز للكون و الإنسان و الحياة , اللهِ الذي لا تربطه بالعباد إلا رابطة الخلق لتحقيق غرض منشود : " وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56] .
و لقد بيّن القرآن في آية أخرى هذه الحقيقة – حقيقة مصدر هذا القرآن - بصورة أجلى : " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " [الفرقان:6] . و في حسباني أنّ هذا السرّ ليس إلا مرآة الحقائق الوجوديّة بأبعادها الأربعة : البُعد الإلهي . البُعد الإنساني , البُعد الكوني , البُعد الأبدي . و لهذا ورد عن الصحابي الجليل ابن مسعود  _ رضي الله عنه _ أنّه قال : « ثوّروا القرآن » . و قال علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ : « ذلكم القرآن فاستنطقوه » . و لذا يكون بيان القرآن لهذه الحقيقة الهائلة جدّاً , دعوة تحمل دلالة عميقة و إيحاءاً واضحاً للإنسان المسلم بأنّ يتعامل مع القرآن على أساس أنّه كائن حي , يعكس معاني الحق و العدل و الجمال في فطرة الإنسان و فطرة الكون و فطرة الحياة و فطرة الخلود , و لذا _ أيضاً_ يجب عليك _ أيّها المسلم _ أن تسلك مع كلماته و إشاراته مسلك التواصل العقلي و التفاعل الوجداني , أي منهج التثوير و الإستنطاق كما نبّه عليه الصحابيان الجليان , كيما تستطيع _ بإذن الله _ استخراج _ و لو قليلاً _ كنوزه المعرفيّة و الأخلاقيّة و ذخائره التنظيميّة و التشريعيّة . 

                                                                         فقرة من كتابي : " جواهر قرآنية " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق