إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 22 ديسمبر 2013

منطلقات بناء الانسان في القرآن

مهمة القرآن في حياة الإنسان هي إعادة بناء شخصيّته بما يتناسب مع فطرته الأولى التي فطره الله عليها , لأن الإنسان بدون هذه الفطرة لا يمكن أبدا أن ينسجم مع حقائق الحكمة الإلهية في الكون و الحياة و المصير , أي أنه لا يمكن أن يعيش حياة مستقرة و سعيدة , يتناغم مع معطيات الكون من حوله , و يتناسق مع جماليات الحياة في هذا العالم , و يفوز في الآخرة بمصير كريم و جميل . 
و المنهج القرآني الفريد ينطلق في تقرير هذه الحقيقة من حقيقة واحدة ألا و هي : أن الله تعالى هو أعلم بما بحقيقة الكينونة الإنسانية بكل طاقاتها و غرائزها و احتياجاتها و أشواقها : [ ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ] ( الملك 14 ) .
و سأكتفي في هذه المقالة ببث شذرات مقتضبة توضح لنا بعض معالم و منطلقات بناء الإنسان في المنهاجية القرآنية , ذلك لأن موضوعا مثل هذا يحتاج _ و لا شك _ الى بحث مفصل و طول تأمل :

1/ الله إله مطلق , و هذا يعني أنه غني عن العالمين جميعاً . 

2/ الله خلق الإنسان لا لحاجة إليه _ سبحانه _ بل لتكريمه بمعرفته و رضوانه و جواره في الدار الاخرة .

3/ الإنسان مخلوق كريم و له منزلة شريفة عند الخالق تعالى بين مختلف كائنات الوجود الظاهر و الباطن .

4/ الإنسان مخلوق لأداء مهمة واحدة و القيام بدور واحد : القيام بالعبودية لله وحده من خلال الالتزام بتعاليم شريعته المنزلة على أنبيائه .

5/ الله سخر ما في الكون و الحياة ليساعد الإنسان على القيام بمهمته و الدور المطلوب منه في هذا العالم .

6/ الإنسان بالرغم من طاقة العقل الهائلة التي يتمتع بها , لا يمكنه إطلاقا تحقيق السعادة الكاملة لنفسه في الدنيا فضلا عن معرفة أسباب النجاة و الفلاح في الاخرة .

7/ أنزل الله الوحي لكي يبين للعقل الانساني معالم الطريق المؤدية الى السعادة و النجاح في مختلف مظاهر الحياة في الدنيا , و الى الفلاح و الرضوان و النجاة في الاخرة .

8/ يستحيل اطلاقا ان يتناقض الوحي الرباني مع العقل الانساني , لانهما صادران من منبع واحدة , فالوحي هو كلام الله و العقل هو خلق الله , و اذا قلنا ان الله خلق الانسان لعبادته _ بمفهوم العبودية الشامل _ و انه انزل الوحي لهداية الانسان لتحقيق هذه العبودية , تكون النتيجة الحتمية انه يستحيل _ نظريا و عمليا _ تناقض الوحي و العقل .

9/ الوحي الرباني هو منهج شامل لكل نشاطات الانسان و مختلف علاقاته و اهدافه , و هو _ أي الوحي _ لا يمكن أن يؤدي دوره الا اذا تعامل معه الانسان بهذا النحو أي يتبع تعاليمه كلها : في العقيدة و الفكر , في القيم و الاخلاق , في التشريع و التدبير , في العلاقات و الارتباطات , في الاهداف و الغايات .

10/ عالم الدنيا ليس مجالا مساعدا لظهور شتى طاقات الروح و العقل في الانسان , و لهذا فالانسان حتى في ارقى مستويات العبقرية لا يستطيع ان يستعمل الا جزءا بسيطا من طاقة العقل و قوة الروح لديه , و لهذا خلق الله عالم الاخرة المطلق لكي تتفتح كل طاقات و قوى الروح و العقل الانساني الى اقصى الحدود الممكنة . فالانسان مخلوق اولا و آخرا للخلود الابدي في عالم الاخرة و لم يخلق ابدا لعالم الدنيا , فالدنيا ليست الا محطة في رحلة الانسان الخالدة .

حسنا اعتقد ان هذه الشذرات العشر , تشكل مفاتيح لا بأس بها في مساعدتنا على طبيعة و غاية بناء الانسان في المنهج الاسلامي .
و الله اعلم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق