يقول الرسول r :
لدي حلم
{إن قامت الساعة و بيد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل
}
قد يضع الإنسان
لنفسه هدفاً يسعى لتحقيق و ينشد بلوغه .. ثم ينتهي كلّ شيء بمجرد تحقق الهدف !!
أما الحلم فمعنى آخر .. هو معنى كبير يستمد طاقته من نبض القلب و إشراقة الروح و
سرّ الحياة .. و لذلك يكون تأثيره أقوى من الهدف الصغير الضئيل !!
النبي r
يريد للمسلم أن يتفاعل مع أحلامه بشكل إيجابي .. إنّه يرفض أن يغتالها في ضميره ..
يرفض أن يشوّهها في أعماقه .. يرفض أن تظل حبيسة الخيال .. و من ثمَّ يأمره _ صلى
الله عليه و سلم _ أن لا ييأس , ليس فقط عندما تواجهه بعض المعوّقات , بل أيضاً
حتّى في أقصى لحظات الضعف التّي تحطم كلّ شيء في الكينونة البشريّة .
إنّ هذا الحديث
النبوي الدقيق ينبّه المسلم على الحقائق مهمّة :
@ ضرورة الصبر و المثابرة , و أهميّة الحرص الشديد على بذل الوسع لتحقيق
الحلم .
@
التفاعل الإيجابي مع الأحداث , حتّى تلك التّي تضغط على العقل و تكاد تخنق الروح .
@
الإنعتاق من بوتقة الأنانيّة المقيتة إلى رحابة التفكير الجميل في الآخرين و جلب
المنفعة لهم .
@
الحياة لا تنتهي عند شخص معيّن أو عند مرحلة محدّدة , بل هي خط متواصل و بحر دفّاق .
إذن , النبي r
يعلّم المسلم _ في هذا الحديث _ أهميّة الحلم , بل أن تكون أحلامه كبيرة جدّاً ,
تتجاوز ذاته الشخصيّة الصغيرة إلى رحابة الإنسانيّة الفسيحة , و تسمو على ضيق
الدنيا الفانيّة إلى فضاء خلود الآخرة الأبديّة .
عندما يعيش
الإنسان بهذا التفكير و بهذه الرؤية و يتعامل مع الحياة _ بشتى روابطها و أحداثها
_ على نحو هذه الشاكلة الجميلة , حينها فقط سيكون
إنساناً إيجابيّاً : في تفكيره , في أخلاقه , في سلوكيّاته . و حينها _ أيضاً _
سيعيش مطمئن القلب مشرق الروح متألق العقل . ذلك لأنّه الآن _ و قد تغيّرت رؤيته
لشخصه و للحياة من حوله و للمصير السائر إليه _ لم يعد يخشى الفشل , و لم يعد يخشى
الحرمان , فهو مرتبط بخالقه الجليل , الإله المطلق الأزلي , و من ثمَّ فهو بين
أمرين :
* إما أن يقطف ثمرة كفاحه و صبره
و مثابرته هنا في عالم الدنيا .
* و إما أن يجنيها _ كأحسن ما
يكون اجتناء ثمرة _ هنالك .. في عالم الخلود و السرمديّة الفائقة . } وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقَىٰ { [الأعلى:17] .
إنّ ذا الحديث , يقول للمسلم :
* عش حياتك بأمل جميل و حلم
سامي و تفاؤل كبير , و لا تيأس و لا تخف و لا تتشاءم , فهناك ربّ برٌّ رحيم عليم
بصير قوي قدير , لا يضيع عنده شيء من العمل الصالح و لا تخيب لديه نيّة خالصة .
* عش حياتك بالحب للآخرين و
العطاء الكريم لهم الحرص الشديد على منفعتهم و خيرهم , حتّى و إن كنت على يقين
واضح أنّهم سيجنون فوائد صبرك و كفاحك بعد أن ترحل عنهم , فالله لن ينس لك ذلك و
سيجازيك خير الجزاء .
يقول الحق تعالى : } كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ {
[آل عمران:110] . فهكذا ينبغي أن تكون أيّها المسلم : خيّراً , متفائلاً , معطاءاً
, مكافحاً في سبيل سعادة الآخرين و راحتهم : مع نفسك أولاً , ثم مع كل من تربطك
بهم رابطة : زوجتك , أولادك , أصدقاؤك , جيرانك , عائلتك , مجتمعك , و الإنسانيّة
جمعاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق